البنك الفرنسي التونسي.. القصة كاملة
أربعة عقود من الزمن لم تكن كافية للحسم في النزاع القائم بين الدولة التونسية، والشركة العربية للاستثمار ABCI، الشريك الأساسي في البنك الفرنسي التونسي، ما تسبّب في تدهور الوضعيّة المالية للبنك وفقدانه توازناته المالية، ما دفع بالبنك المركزي التونسي بتاريخ 28 فيفري 2022 إلى إحالة ملفّه على القضاء لحلّه وتصفيته.
أصل الخلاف
اشتعل فتيل النزاع بين الدولة التونسية والشركة العربية للاستثمار، إثر خلاف بشأن سحب الإجراءات القانونية لمساهمة الشركة في البنك الفرنسي التونسي (BFT) سنة 1983، لتتحول إثر ذلك إلى قضية مالية دولية تعدّدت فيها المسارات القضائية، ما حال دون الحسم فيها.
ويتمثّل النزاع أساسا، في تراجع الدولة التونسيّة في 30 ديسمبر 1982 عن ترخيص قانوني كانت منحته في 23 أفريل من نفس السنة إلى شركة ABCI، مكّنها في البداية من الساهمة في رأسمال البنك الفرنسي التونسي BFT بنسبة 50% (20 مليون دولار)،
لكنّها قرّرت التراجع عن الترخيص بعد نشوب خلاف بين عبد المجيد بودن رئيس مجلس إدارة BFT والشركة التونسية للبنك.
واختارت إثر ذلك، الشركة العربية للاستثمار ومِن ورائها عبد المجيد بودن، التوجه إلى التحكيم الدولي (المركز الدولي للتحكيم في قضايا الاستثمار)، فيما قرّرت الدولة التونسية إلى القضاء التونسي من أجل حسم النزاع.
مسارات قضائية
وصدر في الغرض أحكام مختلفة سواء من قبل الهيئة التحكيميّة المنبثقة عن الغرفة التجارية بباريس (لفائدة شركة ABCI ) أو من قبل المحاكم التونسية التي وضع البنك الفرنسي التونسي تحت تصرف القضاء، وحُكِم على بودن بـ6 سنوات سجنًا بتهمة التلاعب بالمال العام وخطية مالية تقدر ب30 مليون دولار.
غادر بودن إثر ذلك البلاد والتجأ إلى القضاء البريطاني الذي حكم في سنة 2004 بعدم أهليته في القضية التي رفعها ضدّ الدولة التونسية من أجل استعادة أموال المؤسسة العربية للاستثمار قبل أن يتوجه إلى المركز الدولي للتحكيم في قضايا الاستثمار، والذي أقرّ في سنة 2017 بمسؤولية الدولة التونسية وحكم عليها بتعويض المجمع، بمليار دولار.
ومن العوامل التي ساهمت في تقوية موقف خصم الدولة التونسي، هو إبرام وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية سنة 2012 اتفاق صلحٍ مع المجموعة العربية الدولية للأعمال تضمنت تنازلات كبيرة جدّا لصالح المجموعة، بالإضافة إلى أنّ تقرير هيئة الحقيقة والكرامة اعتبر في تقريره النهائي أنّ شركة ABCI ضحيّة، وفق ما أكّده رئيس لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام بالبرلمان المعلّقة اختصاصاته بدر الدين القمودي.
ملفات فساد
ومن الأسباب التي عقّدت ملف البنك الفرنسي التونسي، هو حجم ملفات الفساد التي تعلّقت به على امتداد عقود، منها ما يتعلّق بمَنح قروض فاقت الـ 300 مليون دولار دون أيّ ضمانات، مع اتهامات بمحاولة بعض الجهات الاستيلاء على أموال المؤسسة العربية للاستثمار.
كما أنّه تحوم حول تكليف الدولة التونسية لمكتب المحاماة هاربت سميث Herbert Smith شبهات فساد، خاصّة أنّه تقاضى أموالاً طائلة قبل أن تخسر تونس القضية. وأصبح بذلك ملفّ البنك الفرنسي التونسي أكبر قضيّة فساد في تاريخ الدولة التونسيّة.
خليل عماري